فصل: كتاب اللقطة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المتواري على أبواب البخاري



.كتاب إحياء الموات:

.باب:

فيه ابن عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم أتى في معرسه وهو بذي الحليفة. فقيل له: إنك ببطحاء مباركة. قال موسى: وقد أناخ بنا سالم بالمناخ الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفيه ابن عباس: عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أتاني الليلة آتٍ من ربي عز وجل، وهو بالعقيق أن صلّ في هذا الوادي المبارك» ثم قل: عمرة في حجة.
قلت: رضي الله عنك! ظن الشارح أنه أراد إلحاق المعرس بالأوقاف النبوية فقال: هذا لا يقوم على ساق، ووهم الشارح. وغرضه غير هذا، وهو أنه لما ذكر إحياء الموات والخلاف فيها. وهل يتوقف مطلقاً على إذن الإمام أو لا، ويفصل بين القريب والبعيد. نبّه على أن هذه البطحاء التي عرس فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمر بالصلاة فيها، وأعلم أنها مباركة لا تدخل فيه الموات التي يحيى ويملك لما ثبت لها من خصوصية التعريس فيها، فصارت كأنها وقف على أن يقتدي فيها به صلى الله عليه وسلم. فلو ملكت بالإحياء لمنع مالكها الناس من التعريس بها.

.كتاب المساقاة:

.باب من رأى صدقة الماء وهبته جائزة مقسوماً كان أو غير مقسوم:

فيه سهل: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فشرب منه، وعن يمينه غلام أصغر القوم وعن يساره الأشياخ. فقال: «يا غلام! أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ؟» فقال: ما كنت لأوثر بفضلي منك، فأعطاه إياه.
وفيه أنس: حلبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة داجناً- وهو في دار أنس- وشيب لبنها بماء من البئر التي في دار أنس. فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم القدح فشرب منه حتى نزع القدح من فيه. وعن يساره أبو بكر. فقال عمر: وخاف أن يعطيه الأعرابي أعط أبا بكر يا رسول الله عندك. فأعطى الأعرابي الذي عن يمينه. ثم قال: «الأيمن فالأيمن».
قلت: رضي الله عنك! مدخله في الفقه تحقيق أن الماء يملك. ولهذا استأذن النبي صلى الله عليه وسلم بعض الشركاء فيه. ورتب قسمته يمنة ويسرة ولو كان أباحته لم يدخله ملك ولا ترتيب قسمته. والحديث الثاني طابق الترجمة لقوله: شيب بماء والاستدلال به ضعيف. ولعل هذا الترتيب لأن اللبن هو الذي يملك لا الماء.

.باب من حفر بئراً في ملكه لم يضمن:

فيه أبو هريرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المعدن جبار، والبئر جبار، والعجماء جبار، وفي الركاز الخمس».
قلت: رضي الله عنك! الحديث مطلق والترجمة مقيّدة بالملك. وإذا كان الحديث تحته صورٌ إحداها الملك، وهو أقعد الصور بسقوط الضمان، كان دخولها في الحديث محققاً، فاستقام الاستدلال.

.باب من قال: إن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه:

فيه سهل: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فشرب، وعن يمينه غلام وهو أحدث القوم، والأشياخ عن يساره. فقال: «يا غلام أتأذن لي أن أعطي الأشياخ؟» فقال: ما كنت أوثر نصيبي منك أحداً. فأعطاه إياه.
وفيه أبو هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لأذودنّ رجالاً عن حوضي، كما تذاد الغريبة من الإبل عن الحوض».
وفيه ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رحم الله أم إسماعيل! لو تركت زمزم أو لم تغرف من الماء- لكانت عينا معيناً، وأقبل جرهم فقالوا. أتأذنين أن ننزل عندك؟ قالت: نعم! ولا حق لكم في الماء، قالوا: نعم».
وفيه أبو هريرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله...». الحديث: «ورجل منع فضل ماء فيقول الله: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك».
قلت: رضي الله عنك! انتقد المهلب عليه الاستدلال بحديث الغلام والأشياخ على أن صاحب الماء أحق به. وقال: ليس فيه إلا أنّ الأيمن أحقّ من صاحب القدح في أن يعطيه غيره. واستدلال البخاري ألطف من ذلك، لأنه إذا استحقه الأيمن في هذه الحالة بالجلوس، واختصّ به فكيف لا يختص به صاحب اليد والمتسبب في تحصيله؟ وظنّ أن وجه الدليل من حديث القيامة قوله: «لأذودن رجالاً عن حوضي» فقال: هذا وجه الدليل على اختصاص صاحب الحوض بمائه. وهو وهم. فإن تنزيل أحكام التكاليف على وقائع الآخرة غير ممكن.
وإنما استدلال البخاري منه بقوله: كما تذاد الغريبة من الإبل عن الحوض فما شبه بذودها في الدنيا إلا ولصاحب الحوض منع غير إبله من مائه. ولو كان المنع في الدنيا تعدّيا لما شبه به ذلك المنع الذي هو حق.

.باب الرجل يكون له ممرّ في حائط أو نخل:

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من باع نخلاً بعد أن تؤبّر، فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع».
فيه زيد: رخص النبي صلى الله عليه وسلم أن تباع العرايا بخرصها تمراً.
قلت: رضي الله عنك! وجه دخوله في الفقه التنبيه على اجتماع الحقوق في العين الواحدة: هذا له الملك، وهذا له الانتفاع. وفهم البخاري من استحقاق البائع الثمرة دون الأصل أن له التطرق بعد البيع وانتقال الملك عنه إلى أخذ الثمرة الباقية له. وألحق به كلّ ذي حق في ارض مملوكة للغير.

.كتاب الاستقراض والديون والحجر والتفليس:

.باب من اشترى بالدين، وليس عنده ثمنه أو ليس بحضرته:

فيه جابر: غدوت مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «كيف ترى بعيرك؟ أتبيعنيه؟» قلت: نعم. فبعته إياه. فلما قدم المدينة غدوت إليه بالبعير، فأعطاني ثمنه.
وفيه الأعمش: تذاكرنا عند إبراهيم الرهن في السلم. فقال حدثني الأسود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى طعاماً من يهوديّ إلى أجل. وأرهنه درعاً من حديد.
قلت: رضي الله عنك! في الترجمة حيف. لأن مضمونها جواز الاستقراض والانتفاع بالدين لمن لا عنده وفاء. ويدخل فيه ذلك من لا قدرة له على الوفاء، وإذ لم يعرف البائع أو المقرض حاله، وهذا تدليس. والذي في الحديث غير هذا، لتحقق قدرته صلى الله عليه وسلم على الوفاء بما عقد عليه.

.باب من أخذ أموال الناس يريد أداءها أو إتلافها:

فيه أبو هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله».
قلت: رضي الله عنك! هذه الترجمة تبيّن أن الاستدانة مقيّدة الجواز بالقدرة على التحصيل، لأنه إذا علم من نفسه العجز، فقد أخذ لا يريد الوفاء وكيف يريد ما هو عاجز عنه إلاّ تمنيًّا والتمني غير الإرادة.

.باب إذا قضى دون حقه، أو حلله فهو جائز:

فيه جابر: إن أباه قتل يوم أحد شهيداً وعليه دين. فاشتد الغرماء في حقوقهم. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم أن يقبلوا تمر حائطي ويحللوا أبى فأبوا. فلم يعطهم النبي صلى الله عليه وسلم حائطي. وقال: «سنغدو عليك». فغدا علينا حين أصبح، فطاف في النخل، ودعا في ثمرها بالبركة. فجددتها فقضيتهم. وبقي لنا من ثمرها.
قلت: رضي الله عنك! خطأ الشارح قوله: أو حلله. وقال: هي بالواو، وإن كانت النسخ كلّها- بأو-. قلت: رضي الله عنك! والصواب ما في النسخ. والمقصود أو حلله من جميعه. وأخذ البخاري هذا من جواز قضاء البعض والتحلل من البعض. فإذا كان لصاحب الحق أن يهضم بعض حقه فيطيب للمديان. فكذلك الجميع.

.باب إذا قاصّه أو جازفه في دين فهو جائز تمر بتمر أو غيره:

فيه جابر: إن أباه توفيّ وترك عليه ثلاثين وسقا لرجل من اليهود فاستنظره جابر، فأبى أن ينظره. فكلم جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع له إليه فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم وكلم اليهودي ليأخذ تمر نخله بالذي له فأبى. فدخل النبي صلى الله عليه وسلم النخل فمشى فيها، ثم قال لجابر: «جدّ له فأوف الذي له». فجدّه بعدما رجع النبي صلى الله عليه وسلم فأوفى له ثلاثين وسقا. فضلت له سبعة عشر وسقا. فجاء جابر النبي صلى الله عليه وسلم ليخبره بما كان فوجده يصلي العصر، فلما انصرف أخبره بالفضل. قال: أخبر ذلك ابن الخطاب، فقال عمر: علمت حين مشى فيها النبي صلى الله عليه وسلم ليباركن فيها.
قلت: رضي الله عنك! وجه دخوله في الفقه التنبيه على أنه يغتفر في القضاء ما لا يغتفر في المعارضة لأن بيع المجهول بالمعلوم من جنسه مزابنة وإن كان في التمر وغيره فمزابنة وربا. والنبي صلى الله عليه وسلم قضى صاحب دين جابر مجهولاً عن تمر الحائط في أوساق معيّنة، لأنه قضاء. وأيضاً فالتفاوت متحقق وهو يدفع المزابنة خاصة.

.باب إذا وجد ماله مفلس في البيع والقرض والوديعة فهو أحق به:

وقال الحسن: إذا أفلس وتبيّن لم يجز عتقه ولا بيعه ولا شراؤه. وقال ابن المسيب: قضى عثمان قال: من اقتضى من حقّه قبل أن يفلس، فهو له. ومن عرف ماله بعينه فهو أحق به.
فيه أبو هريرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس، فهو أحق به من غيره».
قلت: رضي الله عنك! أدخل البخاري القروض والوديعة مع البيع: إما لأن الحديث مطلقٌ، وإما لأنه ردّ في البيع. والحكم في القرض أو الوديعة أولى. أما الوديعة فملك ربها لم ينتقل. وأما القرض فانتقال ملكه عنه معروف. وهو أضعف من تمليك المعاوضة فإذ أبطل التفليس ملك المعاوضة القوى بشرطه فالضعيف أولى.

.باب من باع مال المفلس أو المعدم فقسمه بين الغرماء أو أعطاه حتى ينفق على نفسه:

فيه جابر: أعتق رجل منا غلاماً له عن دبر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يشتريه» فاشتراه نعيم بن عبد الله فأخذ ثمنه فدفعه إليه.
قلت: رضي الله عنك! احتمل عند البخاري دفع الثمن إليه أن يكون باعه عليه، لأنه لم يكن يملك سواه. فلما أجحف بنفسه تولى النبي صلى الله عليه وسلم بيعه بنفسه، لأجل تعلق حق التدبير. والحقوق إذا أبطلت احتيج في فسخها إلى الحكم. فعلى هذا التأويل، يكون دفع الثمن إليه حتى ينفقه على نفسه. واحتمل عنده أن يكون باعه عليه لأنه مديان. ومال المديان يقسم بين الغرماء. ويكون سلمه إليه ليقسمه بين غرمائه. ولهذا ترجم على التقديرين. والشارح بعيد عن هذا كله. فتأمله.

.كتاب الخصومات:

.باب من ردّ أمر السفيه والضعيف العقل وإن لم يكن حجر عليه الإمام:

ويذكر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم ردّ على المتصدق قبل النهي ثم نهاه وقال مالك: إذا كان لرجل على رجل مال وله عبد لا شيء له غيره. فأعتقه لم يجز عتقه.
ومن باع على الضعيف ونحوه دفع إليه ثمنه وأمره بالإصلاح والقيام بشأنه فإن أفسد بعد منعه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال. وقال للذي يخدع في البيع: «إذا بايعت فقل: لا خلابة» ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ماله.
فيه ابن عمر: كان رجل يخدع في البيع، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا بايعت فقل: لا خلابة». فكان يقول.
وفيه جابر: إن رجلاً أعتق عبداً ليس له مال غيره، فردّه النبي صلى الله عليه وسلم فابتاعه منه نعيم بن النحّام.
قلت: رضي الله عنك! هذه الترجمة وما ساقه معها من محاسنه اللطيفة. وذلك أن العلماء اختلفوا في سفيه الحال قبل الحكم هل ترد عقوده؟ اختلف قول مالك في ذلك، فاختار البخاري ردّها، واستدل بحديث المدبر. وذكر قول مالك في ردّ عتق المديان قبل الحجر إذا أحاط الدين بماله. ويلزم مالكاً رد أفعال سفيه الحال لأن الحجر في السفيه والمديان مطرد. ثم فهم البخاري أنه يرد عليه حديث حبّان فإن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على أنه يخدع. وأمضى أفعاله الماضية والمستقبلية فنبه على أن الذي تريد أفعاله هو الظاهر السفه، البين الإضاعة، كإضاعة صاحب المدبر. والتفصيل بين الظاهر السفه والخفي السفه أحد أقوال مالك أيضاً. وأن المخدوع في البيوع يمكنه الاحتراز وقد نبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم فهم أنه يرد عليه كون النبي صلى الله عليه وسلم أعطى صاحب المدبر ثمنه ولو كان منعه لأجل السفه لما سلّم إليه الثمن. فنبه على أنه إنما أعطاه بعد أن علمه طريق الرشد، وأمره بالإصلاح والقيام بشأنه. وما كان السفه حينئذ فسقاً. وإنما نشأ من الغفلة وعدم البصيرة بمواقع المصالح فلما بينها له كفاه ذلك. ولو ظهر للنبي صلى الله عليه وسلم من حاله بعد ذلك، أنه لم يتنبه ولم يرشد لمنعه التصرف مطلقاً، وحجر عليه حجراً مطّرداً. وقد أغنى البخاري الشارح بإشاراته على التطويلات البعيدة، عن مقصود صاحب الجامع. فتأملها.

.كتاب اللقطة:

.باب إذا جاء صاحب اللقطة بعد سنة ردّها عليه لأنها وديعة:

فيه زيد: إن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال: «عرّفها سنة، ثم اعرف وكاءها وعفاصها ثم استنفق فإن جاء صاحبها فأدّها إليه». الحديث.
قلت: رضي الله عنك! في بعض طرقه أنها وديعة من رواية سليمان بن بلال. ولكن شك يحيى بن سعيد عن يزيد: هل الزيادة من الراوي، أو من النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأسقطها البخاري من الترجمة لفظاً. وضمّنها معنى في صيغة التعليل بقوله: لأنها وديعة إذ ردّها إلى صاحبها أو عرفها له. إن استنفقها يدل على بقاء ملكه، خلافاً لمن أباحها بعد الحول، بلا ضمان.

.باب هل يأخذ اللقطة ولا يدعها تضيع حتى يأخذها من لا يستحق:

فيه سويد بن غفلة: كنت مع سليمان بن ربيعة وزيد بن صوحان في غزاة. فوجدت سوطاً فقالا لي: ألقه، قلت: لا، ولكني إن وجدت صاحبه، وإلا استمتعت به. فلما رجعنا حججنا. فمررت بالمدينة فسألت أبي بن كعب، فقال: وجدت صرة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: عرفها حولاً. ثم أتيته الرابعة، فقال: اعرف عدتها ووكاءها ووعاءها. فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها.
قلت: رضي الله عنك! موضع الحجة منه ترك النبي صلى الله عليه وسلم الإنكار على أبي في أخذها، دلّ على أنه خال من المفسدة شرعاً ويلزم اشتماله على المصلحة وإلاّ كان تصرفاً في ملك الغير. وتلك المصلحة تتعين أن يكون الحفظ لها وصيانتها عن أيدي الخونة. فمن هاهنا أخذ الترجمة.

.باب:

فيه أبو بكر: انطلقت فإذ براعي غنم يسوق غنمه فقلنا: لمن أنت؟ فقال: لرجل من قريش- فسماه فعرفته-. فقلت له: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم. قلت: فهل أنت حالب لنا؟ قال: نعم. فأمرته فاعتقل شاة من غنمه، ثم أمرته أن ينفض ضرعها من الغبار. ثم أمرته أن ينفض إحدى كفيه بالأخرى. فحلب كثبةً من لبن. وقد جعلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إداوةً، على فيها خرقة. فصببت على اللبن حتى برد أسفله فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: اشرب يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب حتى رضيت.
قلت: رضي الله عنك! أدخل البخاري متن هذا الحديث في أبواب اللقطة، تنبيهاً على أن المبيح للبن في حق النبي صلى الله عليه وسلم- والحالة هذه- أن اللبن في حكم الضائع المستهلك، لأن الغنم في الصحراء وليس معها سوى راع وما عسى هذا الراعي يشرب من لبنها. فالفاضل عن شربه مستهلك، لا مالية فيه لصاحبه. فهو كالسوط الذي اغتفر التقاطه، وكالتمرة وأعلى أحواله أن يكون كالشاة اللقطة في المضيعة. وقد قال فيها: هي لك، أو لأخيك أو للذئب. وكذلك هذا اللبن هو إن لم يحتلب مستهلك على كل حال. فلهذا استباحه، لا لأنه مال حربي إذ الغنائم لم تكن أحلت بعدٌ. ولا لأنه بالعادة مسموح فيه، لأن هذا ليس على إطلاقه عادة. والله أعلم.

.كتاب المظالم:

.باب إذا حلّل من مظلمة فلا رجوع فيه:

فيه عائشة: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً} [النساء: 127] قالت: الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها يريد أن يفارقها. فتقول أجعلك من شأني في حل فنزلت هذه الآية في ذلك.
قلت: رضي الله عنك! ما الترجمة في الظاهر مطابقة، لأنها تتناول إسقاط الحق المستقبل حتى لا يكون عدم الوفاء به مظلمة لسقوطه. وإنما البخاري تلطّف في الاستدلال وكأنّه يقول إذا أنفذ الإسقاط في الحق المتوقع فلأن ينفذ في الحق المحقق أولى. ولهذا اختلف العلماء في إسقاط الحق قبل وجوبه هل ينفذ أو لا؟ وما اختلف في نفوذه بعد الوجوب.

.كتاب الهبة:

.باب الهبة للولد:

وإذا أعطى بعض ولده شيئاً لم يجز حتى يعدل بينهم، ويعطى الآخرين منهم مثله. ولا يشهد عليه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اعدلوا بين أولادكم في العطية».
وهل للوالد أن يرجع في عطيته؟ وما يأكل من مال ولده بالمعروف ولا يتعدى؟ واشترى النبي صلى الله عليه وسلم من عمر بعيراً ثم أعطاه ابن عمر. وقال: اصنع به ما شئت.
فيه النعمان: إن أباه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاماً. فقال: «أكلّ ولدك نحلت مثله؟» قال: لا. قال: «فارجعه». وقد ذكره البخاري في كتاب الشهادات، وقال فيه: لا أشهد على جور.
قلت: رضي الله عنك! جميع ما في الترجمة يظهر استخراجه من حديث النعمان. إلا قوله: وما يأكل من مال ولده بالمعروف ولا يتعدى ووجه مناسبة هذه الزيادة للحديث، أن الاعتصار انتزاع من ملك الولد بعد تحققه، كأكله من ماله بالمعروف، فإنه انتزاع. وكأنه حقق معنى الاعتصار من الحديث وتمكّن الأب منه بالوفاق على أن له أن يأكل من ماله. فإذا انتزع ما يأكله من ماله الأصلي، ولم يتقدم له فيه ملك، فلأن ينتزع ما وهبه لحقه السابق فيه أولى.

.باب هبة المرأة لغير زوجها، وعتقها إذا كان لها زوج، فهو جائز إن لم تكن سفيهة فإذا كانت سفيهة فلم يجز:

قال تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} [النساء: 15].
فيه أسماء: قالت يا رسول الله! مالي مالّ إلا ما أدخل علي الزبير فأتصدق؟ قال: تصدقي ولا توعى فيوعى الله عليك وقال مرّة: انفقي ولا تحصي، فيحصى الله عليك.
وفيه ميمونة: زوج النبي صلى الله عليه وسلم إنها أعتقت ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت: أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي. قال: «أوفعلت؟» قالت: نعم. قال: «أما إنها لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك».
وفيه عائشة: أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تبتغي بذلك رضا النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: رضي الله عنك! إذا وهبت المرأة يومها لضّرتها فقيل: الهبة للزوج وقيل: للضرّة وترجم البخاري على القول الثاني.

.باب إذا وهب جماعة لقوم أو رجل لجماعة مقسوماً أو غير مقسوم:

فيه مروان، والمسور: إن النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يردّ إليهم أموالهم وسبيتهم فقال لهم: «إمّا السبي وإمّا المال». فاختاروا السبي. الحديث.
قلت: رضي الله عنك! احتمل عند البخاري أن يكون الصحابة وهبوا الوفد مباشرة والنبي صلى الله عليه وسلم شفيع. واحتمل أن يكونوا وهبوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو وهب الوفد. فترجم على الاحتمال.

.باب من أهدي له هدية وعنده جلساؤه فهو أحق، ويذكر عن ابن عباس أن جلساءه شركاؤه ولم يصح:

فيه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي جاءه يتقاضاه: «أعطوه أفضل من سنّه». الحديث.
وفيه ابن عمر: أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر على بكر صعب لعمر، وكان يتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبوه: لا يتقدّم النبي صلى الله عليه وسلم أحد. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «بعينه». قال عمر: هو لك يا رسول الله! فاشتراه، فقال: «هو لك يا عبد الله فاصنع بما شئت».
قلت: رضي الله عنك! وجه مطابقة الترجمة لحديث التقاضي أنه وهبه الفضل بين السنين، فامتاز به بين الحاضرين.